الفصل الأول: ماهية القائم بالاتصال.
المبحث الأول: مفهوم القائم بالاتصال.
المبحث الثاني: الشروط الواجب توفرها في القائم بالاتصال.
المبحث الثالث: مسؤوليات القائم بالاتصال.
المبحث الرابع: العوامل المؤثرة على القائم بالاتصال.
الفصل الثاني: الدراسات التي النواحي الاجتماعية للقائم بالاتصال.
المبحث الأول: دراسة "وارين بريد".
المبحث الثاني: نظرية الشفيع.
المبحث الثالث: دراسات تأثير الجمهور.
الفصل الثالث: الدراسات التي تناولت النواحي المهنية للقائم بالاتصال.
المبحث الأول: نظرية حارس البوابة.
المبحث الثاني: دراسات ما بعد نظرية حارس البوابة.
المبحث الثالث: المراقبة الاجتماعية.
الخاتمــــة.
*مـقدمــــة:
أصبحت المؤسسات الإعلامية في القرن الحادي والعشرين شبكات اتصال ضخمة تتصارع داخلها المصالح، كما أن كل مؤسسة هي في حد ذاتها نظام معقد للسلطة والنفوذ والمراكز، وحينما ندرس ما يحدث داخل الجريدة أو محطة الإذاعة أو محطة التليفزيون نشعر بالدهشة من مدى تعقد وتشابك أعمالها. ففي داخل تلك المؤسسات الإعلامية تتخذ يومياً، بل وفي كل دقيقة، قرارات مهمة وخطيرة.ونظراً لأهمية تلك القرارات بالنسبة للجماهير يجب أن نعرف الأسلوب الذي يتم بمقتضاه اتخاذ القرارات، والمراكز أو المناصب التي تنفذ فعلاً تلك القرارات، وطبيعة القائم بالاتصال، والأمور التي تؤثر على اختيار المواد الإعلامية، والقيم والمستويات التي يعتنقها القائمون بالاتصال.
والواقع أنه من الصعب علينا أن نفسر السبب في إهمال الباحثين حتى وقت قريب لدراسة ما يحدث داخل المؤسسات الإعلامية ودراسة القائمين بالاتصال. وعلينا أن نعترف، عند تحديد تأثير الرسالة الإعلامية، بأن القائم بالاتصال لا يقل أهمية من مضمون الرسالة.ليس معنى هذا أن الباحثين لم يكتبوا عن رجال الأعلام القدامى، فالواقع أن تاريخ الصحافة حافل بتاريخ حياة أعلام الصحافة.كذلك تقوم الجامعات بتدريس ما يحدث داخل الجريدة أو أسلوب عملها لطلبة الصحافة.ولكن الذي نقصده هنا القيام بتحليل وسائل الأعلام كمؤسسات لها وظيفة اجتماعية ودراسة دور ومركز العامل بالجريدة، أي الصحفي، والظروف أو العوامل التي تؤثر على اختيار مضمون الصحف.فالأخبار هي ما يصنعه الصحفيون، ولكن كيف يصنع أولئك الصحفيون الأخبار ؟!.. وما هي الالتزامات (المهنية) أو (الأخلاقية) التي يفرضها الصحفي على نفسه، وما هي طبيعة السيطرة البيروقراطية التي تفرض نفسها عليه من قبل المؤسسة التي يعمل في إطارها؟
الفصل الأول: ماهية القائم بالاتصال.
المبحث الأول: مفهوم القائم بالاتصال.
المبحث الثاني: الشروط الواجب توفرها في القائم بالاتصال.
المبحث الثالث: مسؤوليات القائم بالاتصال.
المبحث الرابع: العوامل المؤثرة على القائم بالاتصال.
1/مفهوم القائم بالاتصال:
تتفاوت المفاهيم التي وضعتها المدارس الإعلامية للقائم بالاتصال، فقد اتجهت بعض الدراسات إلى تعريفه من منظور القدرة على التأثير في المتلقي، فعرِّف بأنه " يشمل من لديهم القدرة على التأثير بشكل أو بآخر في الأفكار والآراء".
في حين اتجهت دراسات أخرى إلى تعريفه من منظور الدور في عملية الاتصال، فعرفته بأنه " الشخص الذي يتولى إدارة العملية الاتصالية وتسييرها، وعلى ضوء ما يتمتع به من قدرات و كفاءات في الأداء يتحدد مصير العملية الاتصالية برمتها".
أو أن القائم بالاتصال هو" أي فرد أو فريق منظم يرتبط مباشرة بنقل المعلومات من فرد لآخر عبر الوسيلة الإعلامية، أو له علاقة بتسيير أو مراقبة نشر الرسائل إلى الجمهور عبر الوسائل الإعلامية".
كذلك حددته دراسات أخرى بأنهم "الذين يؤدون دورا فعالا ومباشرا في إنتاج الرسائل الإعلامية".(1)
وتطرح المدرسة الفرنسية في الإعلام مفهوم آخر للقائم بالاتصال إذ تطلق عليه لقب "الوسيط" على أساس أن الصحفي يقوم بأدوار متعددة، فهو يبحث عن المعلومة ويختار مضمون الرسالة ثم يتوجه بها إلى الجمهور، وهو بذلك يلعب دورا تفاوضيا بين صانع المعلومة (المصدر) و الجمهور (المتلقي).
- ومما سبق يمكن تعريف القائم بالاتصال بأنه أي شخص داخل فريق عمل ينتمي لإحدى المؤسسات، ويضطلع بمسؤولية ما، في صنع وإنتاج الرسالة الاتصالية بدءا من وضع الفكرة أو السياسة العامة ومراحل الصياغة المختلفة لها، وانتهاء بإخراجها وتقديمها للجمهور المتلقي بهدف التأثير.
(1) نجوى فوال: القائمون بالاتصال، المركز القومي للبحوث الاجتماعية، القاهرة، 1992، ص5.
2/الشروط الواجب توفرها في القائم بالاتصال:
*حددها الباحث "ديفيد برلو" في النقاط التالية:
1-توافر مهارات الاتصال، وهي خمس مهارات " الكتابة ، التحدث ، القراءة ، الإنصات ، والقدرة على التفكير السليم لتحديد أهداف الاتصال ".
2-اتجاهات القائم بالاتصال نحو نفسه ونحو الموضوع ونحو المتلقي، وكلما كانت هذه الاتجاهات ايجابية زادت فعالية القائم بالاتصال.
3-مستوى معرفة المصدر وتخصصه بالموضوع الذي يعالجه يؤثر في زيادة فعاليته.
4-مركز القائم بالاتصال في إطار النظام الاجتماعي والثقافي وطبيعة الأدوار التي يؤديها والوضع الذي يراه الناس فيه يؤثر على فعالية الاتصال.
5-معرفة السياسة الإعلامية لمؤسسته، ويتم ذلك حسب "وارين بريد" بعدت طرق منها:
-القراءة المستمرة لجريدة المؤسسة.
-المشاركة في الدورات والمحاضرات التي تقيمها المؤسسة.
-عن طريق الاحتكاك مع زملاءه دوي الخبرة في المؤسسة.
-عن طريق توجيهات رئيس التحرير.
-عنت طريق الخبرة.
*كما حدد "الكس تان" العوامل إلي تجعل القائم بالاتصال مؤثرا في إقناع الجمهور. وهي 3 عوامل:
1- المصداقية. 2- الجاذبية. 3- السلطة (النفوذ).
3/مسؤوليات القائم بالاتصال:
تتمثل المسؤوليات المفروضة على القائم بالاتصال فيما يلي:
1-الدقة والتأكد من صدق المعلومة المقدمة للجمهور.
2-العمل من اجل المصلحة العامة والابتعاد عن تفضيل المصلحة الشخصية.
3-الحفاظ على نزاهة وكرامة المهنة.
4-احترام الحياة الخاصة للمواطنين.
5-احترام سر المهنة، وأخلاقياتها.
6-الدفاع عن حقوق الإنسان.
7-المشاركة في الإصلاح الاجتماعي.
8-الالتزام بالموضوعية والصدق.
9-تبني اتجاهات الجمهور.
4/العوامل المؤثرة على القائم بالاتصال:
أ-معايير المجتمع:
يعد النظام الاجتماعي الذي تعمل في إطاره وسائل الإعلام، من القوى الأساسية التي تؤثر عل القائمين بالاتصال، فأي نظام اجتماعي ينطوي تحت قيم ومبادئ يسعى لإقرارها، ويعمل على تقبل المواطنين لها، ويرتبط ذلك بوظيفة "التنشئة الاجتماعية".
وتعكس وسائل الإعلام هذا الاهتمام بمحاولتها الحفاظ على القيم الثقافية والاجتماعية السائدة.
ويرى "وارين بريد" انه في بعض الأحوال قد لا يقدم القائم بالاتصال تغطية كاملة للأحداث التي تقع من حوله، وليس هذا الإغفال نتيجة لتقصير منه أو انه نقطة سلبية، ولكن يتغاضى القائم بالاتصال أحيانا على تقديم بعض الإحداث إحساس منه بالمسؤولية الاجتماعية وللحفاظ على بعض الفضائل الفردية أو المجتمعية.
فقد تضحي وسائل الإعلام أحيانا بالسبق الصحفي، أو تتسامح بعض الشيء في واجبها الذي يفرض عليها تقديم كل الأخبار التي تهم الجماهير، وذلك رغبة منها في تدعيم قيم المجتمع وتقاليده، كذلك تعمل وسائل الإعلام على حماية الأنماط الثقافية السائدة في المجتمع مثل الولاء للوطن، النظام السياسي و الاقتصادي، احترام رجال الدين والقضاة، والمجتمعات المحلية، وتوقير كبار السن والقادة،والأمهات، ورجال الجيش. وغالب ما تتجنب وسائل الإعلام انتقاد الأفراد الذين يقومون بتلك الأدوار، لتدعيم البناء الثقافي للمجتمع.
ب-المعايير الذاتية للقائم بالاتصال:
تؤثر الخصائص والسمات الشخصية للقائم بالاتصال على عمله، والمواد الإعلامية التي يقدمها، وتتمثل هذه العوامل أساسا في "الجنس، العمر، الدخل، الطبقة الاجتماعية، التعليم، الانتماءات الفكرية والعقائدية، والإحساس بالذات".
كما يعد الانتماء عنصرا محددا من المحددات الشخصية المهمة، لأنه يؤثر في طريقة التفكير والتفاعل مع العالم المحيط بالقائم بالاتصال.
كما أن القائم بالاتصال ينتمي إلى بعض الجماعات التعليمية والاجتماعي والسياسية، والاقتصادية، التي تعد بمثابة جماعات مرجعية، يشارك القائم بالاتصال أعضاءها في الدوافع والميول والاتجاهات، وتبرز قيمهم في اتخاذ قراراته، وقيامه بسلوك معين.
وقد اهتم الخبراء بالإطار الدلالي والخبرات المختزنة للقائم بالاتصال التي تؤثر في أفكاره ومعتقداته والتي تحدد ما يجب وما لا يجب.
ج-المعايير المهنية:
يتعرض القائم بالاتصال إلى مجموعة من الضغوطات المهنية التي تؤثر في عمله وتؤدي إلى توافقه مع السياسة التي تنتهجها المؤسسة الإعلامية التي ينتمي إليها.
وتتضمن المعايير المهنية ما يلي:
*سياسة المؤسسة الإعلامية:
فخط العمل الذي تنتهجه المؤسسة الإعلامية قد يمثل ضغوط على القائم بالاتصال، ويحتم عليه انتهاج فكر مهني معين.
وتتمثل هذه الضغوط في عوامل خارجية وداخلية، ونعني بالعوامل الخارجية موقع الوسيلة من النظام الاجتماعي القائم، ومدى ارتباط المؤسسة بمصالح معينة.
أما العوامل الداخلية فتشمل نظام الملكية، وأساليب السيطرة والنظم الإدارية وضغوط الإنتاج. وتلعب هذه العوامل دورا مهما في شكل المضمون المقدم للجمهور، وتنتهي بالقائم بالاتصال إلى أن يصبح جزءا من الكيان العام للمؤسسة.
لذا نجد أن الكثير من الصحفيين يعتبرون أنفسهم موظفين في بيروقراطية جمع الأنباء، فهم لا يعبرون عن أفكارهم، بل يقومون بالتعبير عن أفكار صاحب المؤسسة الإعلامية وينتهجون نهجه.
*مصادر الخبر:
أشارت اغلب الدراسات أن القائم بالاتصال يمكنه الاستغناء عن جمهوره، لكن ليمكنه الاستغناء عن مصادره، وأثبتت عدة دراسات عن الصحفيين قوة تأثير المصادر الصحفية على القائم بالاتصال إلى حد احتواءه بالكامل. مؤكدين أن محاولة الصحفي الاستقلال عن مصادر الأخبار عملية شاقة للغاية.
وتتمثل تأثيرات المصادر على القيم الإخبارية والمهنية فيما يلي:
1-تقوم وكالات الأنباء بتوجيه الانتباه إلى أخبار معينة دون الأخرى بطرق عديدة.
2-تؤثر الوكالات على طريقة تقييم رؤساء أقسام الأخبار لعمل مندوبيهم ومراسليهم.
3-تؤثر وكالات الأنباء على طريقة توزيع وسائل الاتصال لمراسليها لتغطية الأحداث الهامة.
4-تصدر وكالات الأنباء، سجلا يوميا بالأحداث المتوقع حدوثها في المدن الكبرى.
5-تقلد الصحف الصغرى نظيرتها الكبرى في أسلوب اختيار المضمون.
*علاقات العمل وضغوطه:
يتفق الباحثون على أن علاقات العمل تضع بصمتها على القائم بالاتصال، حيث يرتبط مع زملائه في علاقات تفاعل تخلق بعدا اجتماعيا، وترسم من هذه العلاقات جماعة أولية بالنسبة للقائم بالاتصال، وبالتالي نجدهم يتوحدون مع بعضهم داخل المجموعة، ويتعاملون مع العالم الخارجي من خلال إحساسهم الذاتي داخل الجماعة، وهذا يجعل الصحفي معتمدا بدرجة كبيرة على هذه الجماعة ودعمها المعنوي.
ولكن هناك دائما معايير خاصة بالقائم بالاتصال يحتفظ بها لنفسه، ولا يشاركها مع الجماعة التي يعمل فيها، وهي التي تدفعه دائما نحو محاولة التقدم على زملائه في إطار المنافسة المشروعة داخل المؤسسة الإعلامية، فكل صحفي يسعي دوما إلى السبق الذي يمكنه من الوصول إلى اكبر عدد من الجماعة التي فيها.
د- معايير الجمهور:
يؤثر الجمهور على القائم بالاتصال مثلما يثر القائم بالاتصال عليه عل الجمهور، فالرسالة التي يقدمها تحددها –إلى حد ما- توقعاته من ردود فعل الجمهور، وبالتالي يلعب الجمهور دوما دورا ايجابيا في عملية الاتصال.
كما أكد "ريموند باور" أن نوع الجمهور الذي يعتقد القائم بالاتصال انه يخاطبه، له تأثير كبير على طريقة اختيار المحتوى وتنظيمه.
فوسائل الإعلام يجب إن ترضي جماهيرها، ولكي يتحقق ذلك يجب معرفة الجمهور معرفة دقيقة من خلال الدراسات العلمية.
الفصل الثاني: الدراسات التي النواحي الاجتماعية للقائم بالاتصال.
المبحث الأول: دراسة "وارين بريد".
المبحث الثاني: نظرية الشفيع.
المبحث الثالث: دراسات تأثير الجمهور.
1-دراسة "وارين بريد":
قام "وارين بريد" بدراسة حول القائمين بالإعلام والقوى الاجتماعية التي تؤثر على عملهم، وقد استعمل في دراسته طريقة التحليل الوظيفي ليظهر كيف تدفن أو تحذف الصحف الأخبار التي تهدد النظام الاجتماعي والثقافي وبنائه.
وقد اهتمت هذه الدراسة بتحليل وسائل الإعلام كمتغير من المتغيرات الاجتماعية والثقافية وكذا الحالات التي تواجه فيها وسائل الإعلام مشكلة نشر مضمون ما قد يؤثر على اتجاه المجتمع.
وتمكن "بريد" من خلال دراسته من إظهار العديد من الوسائل الخاصة التي يمكن عن طريقها كبت أو أخفاء المؤثرات التي قد تتسبب تمزيقا المجتمع، وأعطى افتراضات تقول:
بأن وسائل الإعلام تساعد على تحقيق الاتفاق الثقافي والاجتماعي عن طريق حذف أو دفن المواد التي يمكنها إن تتسبب في تمزيق المجتمع، وتوصل كذلك إلى أن اغلب الموضوعات المحذوفة تنتمي إلى مواضيع سياسية واقتصادية.
وقد توصل "بريد" من خلال نتائج دراسته الأولى إلى أن القائم بالاتصال بأخذ بعين الاعتبار النتائج الاجتماعية التي تترسب على نشر المواد الإعلامية.(1)
أما الدراسة التي نشرها سنة 1952 بعنوان "صحف الصفوة" فيفترض أي محرري الصحف ينتقدون من خلال مهنتهم ووظائفهم فاعلية بعض المتغيرات ذات الطبعة الاجتماعية لأعضاء الصفوة.
ففي هاته الدراسة ألقي "بريد" الضوء على الخصائص الاجتماعية الخاصة بالصحفيين، وأنماط معيشتهم، وتوجهاتهم و انتماءاتهم الطبيعية، وسلوكيات حياتهم اليومية.
2-نظرية الشفيع: (المحامي)
رأت هذه النظرية أن القائم بالإعلام يشارك في بناء المجتمع، وينتقد الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية حماية للجمهور ومصالحه، ومن هنا فإن المسؤولية المهنية للقائم بالإعلام هي أن تدافع عن مصالح الجماعات، وهناك ثلاث اتجاهات رئيسية تحدد فكرة المحامي أو الشفيع:
أ- يؤمن القائم بالإعلام عموما بضرورة الاحتفاظ بسرية مصادرهم في بعض الظروف.
ب- إن مهمة القائم بالإعلام "المحامي" في غالب الأحيان تسبق دوره كمواطن، فهو يؤمن بأنه إذا حصل على معلومات قد تؤدي إلى توجيه الاتهام إلى احد المجرمين فانه غير ملزم بمساعدة الدولة.
ج- يرى إن من حقه تقديم المعلومات إلي تعتبرها الوكالات الحكومية موضوعات سرية.
(1) جيهان رشتي، الأسس العلمية لنظرية الإعلام، دار الفكر، ط2، مصر، 1978، ص 308-310.
3-دراسات تأثير الجمهور:
وجد العديد من الباحثين من خلال ما أجروه من بحوث أن القائم بالاتصال يخضع في المقام الأول لتأثير متلقي مادته الإعلامية، فمثل هذا ما أشار إليه "تشارلز كولي" منذ وقت بعيد عن الصعوبات التي يواجهها القائمون بالإعلام.
أما عن الدراسات الحديثة في تأثير الجمهور على الإعلاميين فقد لخص "ريمون باور" علاقة الجمهور بالإعلاميين في ثلاث فروض:
أ- يؤثر الجمهور في طريقة تنظيم المعلومات الجديدة وبالتالي يؤثر فيما يتذكره القائم بالإعلام بعد ذلك هو نفسه.
ب- أن الرسالة التي تصدر عن كاتب معين تصبح مستقلة عن صاحبها، مرغمة إياه إلى أداء سلوك اتصالي معين يتفق ويتوافق معها.
ج- أن الرسائل الاتصالية نادرا ما توجه إلى جمهور ظاهرة وحيد منفرد، وإنما توجه إلى جماعة مرجعية في نفس الوقت، وتكون الجماعة بمثابة جمهور ثانوي.
وقد أظهرت هذه الدراسة أن نوع الجمهور الذي يعتقد القائم بالإعلام انه يوجه إليه الرسالة له تأثير كبير عل الطريقة التي بمقتضاها يتم اختيار المادة وتنظيمها.
فهناك متطلبات الجمهور وخصائصه، وظروف السوق تتطلب أن تشبع وسائل الإعلام احتياجات الجمهور ومطالبه بنفس الطريقة التي تؤثر بمقتضاها الطلب في النظام الاقتصادي.
- أما دراسة "اتيل دي سو بول" و "ارفيع شولمان" فقد اهتمت بالإجابة عن التساؤل التالي:
*إلى أي مدى يؤثر الجمهور على دقة و صدق المادة الإعلامية التي يعدها القائم بالاتصال؟
ووجدا من خلال دراستيهما أن هناك فئتين من الصحفيين:
أ- الأولى تتخذ من الجمهور موقفا وديا، حيث تعمل لكسب رضاه.
ب-أما الفئة الثانية فتتخذ من المقال الذي تكتبه سلاحا لمواجهة الجمهور خدمة لقضية ما.
*كما نتجت هذه الدراسة إلى أن الصحفي بمقدوره تقديم مقال أفضل إذا كان موضوعه يتفق مع توجهه الأساسي مع موقف الجمهور المستهدف.
كما أن درجة الدقة في عملية نقل المعلومات تعد مؤشرا دالا على طبيعة العلاقة بين تصور القائم بالاتصال عن جمهوره من ناحية وطبيعة الأحداث التي يتناولها من ناحية أخرى.
الفصل الثالث: الدراسات التي تناولت النواحي المهنية للقائم بالاتصال.
المبحث الأول: نظرية حارس البوابة.
المبحث الثاني: دراسات ما بعد نظرية حارس البوابة.
المبحث الثالث: المراقبة الاجتماعية.
1-نظرية حارس البوابة:
يرجع الفضل إلى عالم النفس النمساوي الأصل، والأمريكي الجنسية "كرت لوين" في تطوير ما أصبح يعرف بنظرية "حارس البوابة" الإعلامية، فدراسات "لوين" تعتبر من أفضل الدراسات المنهجية في مجال حراسة البوابة.
يقول لوين:" أنه على طول الرحلة التي تقطعها المادة الإعلامية حتى تصل إلى الجمهور هناك نقاط أو (بوابات) يتم فيها اتخاذ قرارات بما يدخل وما يخرج، وأنه كلما طالت المراحل التي تقطعها الأخبار حتى تظهر في وسيلة الإعلام، ازدادت المواقع التي يصبح فيها متاحاً لسلطة فرد أو عدة أفراد تقرير ما إذا كانت الرسالة ستنتقل بنفس الشكل أو بعد إدخال بعض التغييرات عليها، لهذا يصبح نفوذ من يديرون هذه البوابات والقواعد التي تطبق عليها، والشخصيات التي تملك بحكم عملها سلطة التقرير، يصبح نفوذهم كبيراً في انتقال المعلومات".
إذا فنظرية "حارس البوابة" هي في الواقع دراسة تجريبية ومنتظمة لسلوك أولئك الأفراد الذين يسيطرون في نقاط مختلفة، على مصير القصص الإخبارية.
# وحارس البوابة هو شخص المخوّل أو صاحب الامتياز والمتمتع بصلاحيات أو نفوذ تسمح له بالتحكم في الرسالة الإعلامية ويصبح هنا هو صاحب القار في تمريرها للمتلقي من عدمه وكذلك تعديلها أو حذف بعض مضامينها وحتى حذفها تماما.
# و يكمن الفرق بين القائم بالاتصال وحارس البوابة فيمايلي:
1- من حيث درجة المباشرة في صياغة الرسالة الإعلامية وإنتاجها، يساهم القائم بالاتصال فيها بشكل مباشر وإبداعي إلى حدّ ما، على حين يبدو دور حارس البوابة غير مباشر من خلال قراره بتمرير الرسالة الإعلامية أو تعديلها أو حتى حذفها.
2-من حيث المسؤولية عن الدور، نجد أن مسؤولية القائم بالاتصال هي لإسهامه المباشر في صياغة، وإنتاج الرسالة الإعلامية، في حين يكون مسؤولية حارس البوابة عن قراره بحذف مادة معينة أو تمريرها، حتى تصل إلى المتلقي وقد يمارس القائم بالاتصال دور حارس البوابة، غير أن المحك الرئيسي في توظيفه ، يظل مدى الإسهام المباشر في صنع الرسالة الاتصالية، ومسؤوليته المباشرة عنها.
1- دراسات مابعد نظرية حارس البوابة:
أجريت ف الخمسينيات سلسلة من الدراسات الهامة التي ركزت على الجوانب الأساسية في عملية "حراسة البوابة " بدون أن تستخدم بالضرورة هذا الاصطلاح.
قدمت تلك الدراسات تحليلا وظيفيا لأساليب السيطرة، أو التنظيمي أو الاجتماعي في حجرة الأخبار، و الإدراك المتناقض لدور العاملين بالصحف ومصادر أخبارهم والعوامل التي تؤثر على اختيار المحررين وعرضهم للأخبار.
ومن بين هذه الدراسات نجد دراسة الباحث الأمريكي "واتر جيبر"التي قام بها سنة 1956 حول محرري الأنباء الخارجية في 16 جريدة يومية بولاية "واسكونس" والتي تستقبل وكالة "اسوسيايتد برس" فقط.
وقد أظهرت دراسات "جيبر" أنه إذا كان المحرر يختار عينة ممثلة مما يصله من أنباء يمكن أن نقول أنه قد وُفِق في أداء عمله، وقال أنه يمكن، عن طريق ملاحظة الأسلوب الذي يختار بمقتضاه المحرر أنباءً لفترة لا تزيد عن أيام قليلة أن نتنبأ بما قد يختاره في يوم آخر،وكان الأمر المشترك بين جميع محرري الأنباء،الذين لاحظهم "جيبر"، هو أن الضغوط التي يفرضها الواقع البيروقراطي، والعمل في حجرة الأخبار يعتبر من أقوى العوامل تأثيراً، فمحرر الأنباء الخارجية يعمل دائماً حساباً للضغوط الميكانيكية في عملة أكثر مما تشغله المعاني الاجتماعية ووقع الأخبار، باختصار،كانت ظروف إخراج الصحيفة والروتين البيروقراطي والعلاقات الشخصية في داخل حجرة الأخبار تؤثر أساساً على عمل ذلك المحرر.وقد أظهرت دراسات "جيبر" حقيقتين تبعثان على القلق:
*أولاً: أن محرر الأنباء الخارجية كأن في سلوكه الاتصالي سلبيا ولا يلعب دورا فعالا كقائم بالاتصال، فهو لا يدرس بشكل انتقادي الأنباء التي تصله برقيا.وهناك بعض الدلائل التي تشير إلى أن محرر الأنباء الخارجية كصحفي يعمل ملازما لمكتبه، وقد تختلف دوافعه عن المخبر الذي ينتقل من مكان إلى آخر، لكي يجمع الأخبار، ويؤثر هذا بالتالي على ما يختاره ذلك المحرر من أنباء، وربما كان محرر الأنباء الخارجية كسولاً،أو أصبح كسولاً لأن رؤساءه لا يشجعونه على أن يصبح أكثر نشاطاً، وبشكل عام فهذا المحرر لا يختار برقياته بشكل يظهر أنه يقيّم ما يقدمه بشكل نقدي.
*ثانياً: أن محرر الأنباء الخارجية، كقائم بالاتصال، ليس لديه إدراك حقيقي لطبيعة جمهوره، ولهذا فهو لا يتصل بذلك الجمهور في واقع الأمر، وإذا كانت المهمة الأساسية للصحيفة هي تقديم تقرير هادف عن الظروف المحيطة، من أجل خدمة القارئ، فيمكن أن نقول أن هذه المهمة كانت تؤدى فقط بالصدفة.(1)
فالصحيفة لم تعد تدرك أن هدفها الحقيقي هو(خدمة) جمهور معين أو الجمهور بشكل عام، وذلك لأن المجموعة التي تقوم بجمع الأخبار والنظام البيروقراطي كثيراً ما تحدد الأهداف، أو تحدد ما يظهر في تلك الجريدة، لهذا يرى "جيبر" أنه بدون دراسة القوى الاجتماعية التي تؤثر على عملية جمع الأخبار لا نستطيع أن نفهم حقيقة تلك الأخبار.
(1) جهان رشتي ، مرجع سابق ، ص 295-296.
#ومن بين الانتقادات التي وجهت لمفهوم حارس البوابة، نجد النقد الذي وجهه "أبراهام باس" فهو يرى إن مفهوم حارس البوابة لا ينطبق إلا على قنوات الاتصال القائمة داخل جماعة اجتماعية بعينها كفريق المحررين مثلا، وإنما يجب أن تلاحظ دور وكالات الأنباء المستقلة التي تحتل نفس الأهمية بسبب مسؤوليتها عن إنشاء ووضع مضامين الرسائل الاتصالية التي تبثها وسائل الأعلام، وبما أن وكالات الأنباء وهيئات التحرير المسئولة في وسائل الاتصال الجماهيري لا تمثل جماعة اجتماعية بالمعنى الذي قصده "لوين"، فان مفهوم حارس البوابة لا يصلح للتطبيق على كل فئات القائمين بالاتصال.
# ومن بين ثم يقترح "باس" ضرورة التمييز بين المجالين التاليين:
1- وهو المجال الرئيسي الذي تمثله وكالات الأنباء والمخبرون الصحفيين الذين يتولون جمع الأنباء.
2- وهو المجال الثاني وتمثله إدارات التحرير التي يعمل فيها محررو الأخبار.
ومن هنا يتضح أن المجال الأول هو الذي يحدد الأحداث التي تستحق الكتابة والنشر عنها ومن ثم يحدد الأخبار التي تصل إلى القائمين بالاتصال.
أما المجال الثانوي فتقتصر مهمته على مجرد تعديل وتحرير المادة الإخبارية الخام الواردة من المراسلين.
ومعنى هذا أن وظيفة حارس البوابة تؤدي بشكل منفصل وعلى نحو مختلف في كل مجال على حدى.(1)
# وبشكل عام فان معظم الدراسات التي تلت نظرية حارس البوابة قد أكدت أن الرسالة الإعلاميةتمر بمراحل عديدة، وهي تنتقل من المصدر حتى تصل إلى المتلقي، وتشبه هذه المراحل السلسلة المكونة من عدة حلقات، أي وفقاً لاصطلاحات هذه النظرية فأن المعلومات في عملية الاتصال هي مجرد سلسلة تتصل حلقاتها.
وأبسط أنواع السلاسل هي سلسلة الاتصال المباشر المواجهي، من فرد إلى آخر، ولكن هذه السلاسل في حالة الاتصال الجماهيري تكون طويلة ومعقدة جداً، لأن المعلومات التي تدخل شبكة اتصال معقدة مثل الجريدة، أو محطة الإذاعة أو التلفزيون، عليها أن تمر بالعديد من الحلقات أو الأنظمة المتصلة، فالحدث الذي يحدث في العراق مثلاً، يمر بمراحل عديدة قبل أن يصل إلى القاريء في الجزائر او أمريكا أو أوربا أو الشرق الأوسط، ونجد قدر المعلومات التي تخرج من بعض تلك الحلقات أو الأنظمة أكثر مما يدخل فيها، لذلك يسميها "شانون" "أجهزة تقوية".
(1) محمد الجوهري وآخرون : دراسة الإعلام والاتصال، دار المعرفة الجامعية الإسكندرية، مصر، 1992، ص 55.
3- المراقبة الاجتماعية:
يعرف الدكتور "عري عبد الرحمان" المراقبة الاجتماعية بأنها مفهوم ينطوي على ذلك التأثير الحادث بين هيئة التحرير والصحيفة، ويشتمل ذلك على الآليات التي تجعل المؤسسة مؤهلة للحفاظ على السياسة الإخبارية وكذا الوسائل التي تجعل المحرر يتخطي بعض العقبات التي تفرضها السياسة الإخبارية في غرفة الأخبار.
فإذا نظرنا إلى إدارة التحرير على أنها انساق اجتماعية منظمة فسوف نجد أن الأطر المرجعية والمعايير والقيم والجزاءات وغيرها من المفاهيم الدراسة العلمية للجماعات الصغيرة، تلعب دورا محوريا في فهم سلوك أعضاء تلك الإدارات ، ومن الأمور التي تحضي بالاهتمام في هذا الصدد، تحليل وتفسير كيفية تحقيق التزام إدارة التحرير في إحدى الصحف بخط سياسي معين والمحافظة المستمرة على هذا الخط .(1)
وقد قام "وارين بريد" سنة 1955 بدراسة بعنوان "المراقبة الاجتماعية في غرفة الأخبار". ويقول "بريد"أن كل وسيلة إخبارية تمتلك سياسة إخبارية اعترفت بذلك أو لم تعترف، ويعرف السياسة على أنها توجه منسق بصفة اقل أو أكثر، ويتضح ذلك من خلال مكونات الجريدة، ليس فقط في افتتاحيتها ولكن أيضا في أعمدتها الإخبارية وعناوينها المتعلقة بالمسائل والأحداث المختارة.
وقد أجرى "بريد" أحاديث مطولة مع 120 صحفي من منطقة شمال شرق الولايات المتحدة الأمريكية، والعينة التي استخدمت ليس عشوائية، ولا يدعي الباحث أنها تمثل الكل، ولكن من ناحية أخرى لم يتم اختيار جريدة للدراسة أو ابتعاد جريدة أخرى عمدا،وبلغ القدر المتوسط الذي استغرقه في إجراء الحديث مع الصحفيين ساعة من الزمن.
و كان من نتائج الدراسة أن المحرر يتعلم سياسة الجريدة مع الوقت و أول وسيلة لزيادة الخضوع المهني هي التطبيع أو التنشئة الاجتماعية للعاملين لكي يستوعبوا تقاليد عملهم، و حينما يبدأ المراسل الجديد عمله لن يرشده إلى سياسة الجريدة و لن يقال له أبدا هدا هز الخط السياسي للجريدة لان هدا قد يبدو غريبا .....؟
و لكن تم تأكيد هده الحقيقة في أحاديث كثيرة أجراها الباحث بريد مع العاملين في الصحف فقد لوحظ أن البعض قال لم يخبرني أحد على الإطلاق طوال المدة التي قضتها عاملا بهده الجريدة كيف أحرف قصة و قد تقوم ببعض الصحف بإصدار كتاب عن الأسلوب الخاص بالتحرير .
و لكن ما من صحيفة تصدر تعليمات متصلة سياستها، و حينما كان الصحفيون يسألون عن السياسة كانوا يجيبون بأنهم يعرفونها بالإستعاب التدريجي بدون تعليم مباشر .
أ- الآليات الرسمية : تتضمن أدوات الترغيب و الترهيب و يتضح هدا الطرح فيما يأتي، تتم الترقية ضمن هيئة التحرير كأن يصبح المحرر رئيس قسم و يختار المحرر المؤهل لأداء المهام وفقا لتوقيعات الصحيفة، هده الآليات لا تستعمل إلا نادرا، إد أن المحرر يمارس ذاتيا المراقبة و قلما يتناول ميادين تكون محل المعارضة مسبقا، و يبدو أن الطرد من العمل ظاهرة شاده و ترتبط بقضايا الانضباط كالتغيب و ليس بالسياسة الإخبارية .
ب- الآليات الغير رسمية : تعتبر الآليات الغير رسمية أكثر فعالية من الأخرى إد أن هده الآليات تحافظ على السياسة الإخبارية دون أن تعرض الصحيفة للنقد المباشر.
يتبع العامل الصحفي نظام التسلسل حيث يعمل كمحرر تحت إشراف مساعد التحرير الذي يعمل بدوره تحت وصايا رئيس التحرير، و تتساءل الوضعية أي الأقسام المتعددة الأخرى، و يعتبر رئيس التحرير جهته مسؤولا مباشر إزاء الناشر تجاه السياسة الإخبارية .
بالإضافة إلى هده الدراسة اهتم العديد من الباحثين بالضغوط التي يتعرض لها الصحفي داخل حجرة الأخبار مثل ستارك سيجلمان و جبير .
*خـاتمــــة:
لاحظنا من استعراضنا للبحوث والتجارب السابقة، أنها قدمت لنا نتائج هامة وطريقة حول الصحفيين، إلا أن السمة التي تشترك فيها جميعا أنها ذات طبيعة مصطنعة، أي جرت في ظل ظروف اصطنعها الباحث اصطناعا في اغلب الأحوال، ولا شك أن هذا يجعلها غير قادرة تماما على أن تعكس لنا الظروف الحقيقية الواقعية التي يعيش فيها الصحفيون ويشاركون في وضعها وهي ظروف غنية بالتفاصيل والتعقيدات.
وبالرغم من هذا الانتقاد إلا إننا نعتبر هذا اللون من الدراسات عظيم الأهمية وكبير الفائدة، ويكفي أنها تضع بين أيدينا على الثغرات العديدة في ميدان دراسة الصحفيين، وهي الثغرات التي تحتاج إلى مزيد من البحوث والدراسات، فالميدان برمته مازال في بداياته الأولى.
منقوووووووووووووول للافادة