Admin Admin
المساهمات : 224 تاريخ التسجيل : 18/01/2010
| موضوع: ثورة وسائل الاتصال وانعكاساتها على مراحل تطور الإعلام العربي القومي الجمعة يناير 22, 2010 6:05 pm | |
| ثورة وسائل الاتصال وانعكاساتها على مراحل تطورالإعلام العربي القومي
إن تتبع المسار الذي تطورت فيهتقنية الاتصالات عبر عصور الاتصال المعروفة: الاتصال الشفوي, والكتابة, والطباعة, وعصر الاتصال الالكتروني, ثم تتبع مسار تطور استخدام وسائل الاتصال في الوطنالعربي, يكشفان أن استخدام الطباعة والصحافة قد دفع المد القومي نحو تحقيق إنجازاتسامية تكللت بالنجاح في معظمها مع الحرب العالمية الثانية, من خلال استقلال البلدانالعربية, تماماً كما كان لعصر الكتابة آثار مهمة في النهضة الحضارية التي شهدتهاالأمة العربية في أوج مجدها. غير أن استخدام تقانة (تكنولوجيا) الاتصالالالكتروني كانت له آثار السلبية في الشخصية القومية, لأن الأنظمة السياسية قد نجحتبتوظيف هذه التقنية كذراع لها للحفاظ على الوضع القائم كما هو عليه. مقدمة قبل ألف عام ونيف من الزمان, كان العرب, معهم من الشعوب القديمة الهنودوالصينيون, يتفوقون تقنياً على الغرب الذي كان يغط في سبات عميق من الجهل والتخلف. وبدأ الغرب يستيقظ, فأفرز ثورات مشهودة تجارية ودينية واجتماعية وصناعية, وأخيراًاتصالية أدت إلى تفوق الغرب, وعززت من مكانته وهيمنته وقوته. فما هي العوامل التيأدت إلى التفوق التقني, وما ملامح التقنية الاتصالية, وما هي آثارها فينا ونحن علىأعتاب قرن جديد؟ ربما لا يستطيع أحد أن يدعي القدرة على الإجابة عن هذه الأسئلةالخطيرة في عجالة كهذه. لكن ما أسعى إلى تقديمه هنا هو الاستعانة بالمنظور التاريخيلتطور الأحداث الاجتماعية والاتصالية التي قادت إلى الوضع الحالي, لعل ذلك يفتحالطريق أمام رؤية علاجية. لقد بدأت الحياة تدبّ في أوصال أوروبا في القرنينالرابع عشر والخامس عشر. وقد شهدت تلك المرحلة اختراع المطبعة, فبدأ عصر الاتصالالجماهيري (أو عصر المطبعة, كما يسميه بعضهم). وقد جاء هذا العصر في أعقاب حقبتينمعروفتين في تاريخ الاتصال: الأولى الحقيبة الشفوية, التي امتدت عبر آلاف السنين. واعتمد فيها الإنسان الذاكرة مرجعاً وسنداً ومخرناً للمعرفة, وتُوجت في مرحلة منهاباختراع الأبجدية على أيدي الكنعانيين والفينيقيين, هذه الأبجدية التي ما نزالنستخدمها في الشرق والغرب على حد سواء. ومع تدوين كتب الحضارة الإغريقية, بدأتالحقبة الثانية مع مشارف ميلاد المسيح, وشهد عصر الكتابة انجازات عملية وقيامحضارات قوية كالحضارة العربية. غير أن اختراع الطباعة كانت له آثار كبيرة فيتفجير المعرفة وجعلها متاحة للجميع. وقد صاحب ذلك زيادة في الناتج الزراعي قاد إلىتغييرين رئيسيين في النظام الاجتماعي: ظهور الفلاحين الأغنياء, وظهور طبقة التجار. أما الفلاحون الفقراء فهاجروا إلى المدن للبحث عن عمل, فنمت المدن واتسعت. وقامالتجار باستثمار أموالهم في بناء السفن والصناعات الحربية, بل إن التجارة الأسبانوالبرتغاليين قاموا بتمويل الحملات الأولى لاكتشاف طرق الهند. وسرعان ما حذاوالانكليز والهولنديون حذوهم. وقد مكن مجمل هذه الأعمال أوروبا الغربية من السيطرةعلى طرق التجارة الدولية. وواجه التاجر العربي التقليدي منافسة مع شركات الهندالشرقية, وأصبحت خدمات الملاحة الأوروبية المتقدمة بديلاً من خدمات المواصلاتالبحرية والبرية والداخلية العربية(1). وأدى ذلك إلى القضاء على التجارة العربيةالقائمة على التوابل والبهارات والسكر والحرير والشاي والقطن, فانقطع مورد رئيسي منموارد الثراء والقوة العربية. وعمل الغربيون على تعزيز مواقعهم الجديدة كسادةللبحار والتجارة, فتاجروا بالعبيد الإفريقيين, واقتحموا العالم الجديد ونهبواكنوزه. وقاد هذا إلى ازدياد نفوذ طبقة التجار وثرواتهم, وسقط النظام الإقطاعي, وظهرنظام جديد قائم على التجارة والاستعمار والصناعة. لقد استثمر التجار أموالهم فيبناء صناعات كانت في أشد الحاجة إلى المواد الخام. فتدخلت دولهم لحماية مصالحهم, وهو مما قاد إلى استعمار بلدان العالم الثالث. وهيمن الغربيون على موارد هذهالبلدان المادية والبشرية, وقام أرباب العمل هؤلاء بتحديد أسعار المواد الأوليةبأبخس الأثمان, كما قاموا بإيجاد أسواق طلب على منتجاتهم في مختلف الأقطار التيسيطروا عليها. ولتعزيز مواقعهم, قام التجار الأوروبيون بالتحالف مع النخبة الحاكمةفي الدول المستعمرَة وساعدوها على تحقيق الاستقرار مقابل مساعدتهم على الحصول علىالمواد الخام بالأسعار التي يريدون, والسماح لهم ببيع منتجاتهم المصنعة في أسواقدولهم التابعة. هذه العمليات والتحالفات أدت في مجملها إلى تطور بنية اتصاليةأولية من سكك الحديد وأنظمة البريد, كما أدت إلى قيام مشاريع استثمارية مشتركةهدفها النهائي تسهيل وصول المواد الخام إلى المصانع الأوروبية لتدور وتشغل العمالةلإنتاج سلع استهلاكية مربحة. وبالتأكيد, فإن هذا النمط من استنزاف الموارد الأوليةوالبشرية في أقطار آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية بشكل منتظم عبر قرون القهر أدىإلى تدمير النظم الاجتماعية فيها. وتعميق الفجوة بين الدول المستعمرة وبقية دولالعالم, فتحقق تقدم هناك, وتخلف هنا. وقد شهد النصف الثاني من القرن التاسع عشرمولد عدد من الاختراعات الالكترونية, فبدأت تظهر ملامح تقنية اتصالية جديدة كان لهاآثار عميقة في قرننا الحالي, ذلك أن عصر الاتصال الالكتروني قد حمل معه مجتمعالمعلومات (Information Society) الذي يعتبر مرحلة متقدمة لما يسمى بالمجتمعالصناعي (Information Society). غير أن التنافس بين الدول الأوروبية للسيطرةعلى العالم قاد إلى خوضها غمار حربين عالميتين طاحنتين, أكلتا الأخضر واليابس فيمواقع المعارك, وكانت النتيجة أخراج أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية من مضمارالسيادة الأول, فشهد العالم في النصف الثاني من القرن العشرين ظهور قطبين للقوةالأعظم (Super-Power), كما شهد استقلال الدول المستعمرة التي ظهرت فيها طبقة متوسطةلم تستطيع أن تحذو حذو مثيلاتها في أوروبا في العصور الوسطى بسبب خضوعها لمرحلةجمود طويلة في ظلال الاستعمار الأوروبي(2). ومع أواخر القرن الحالي انهارالاتحاد السوفياتي, وبدأ الحديث عن مولد نظام عالمي جديد, السيطرة الرئيسية فيهلدولة واحدة. ويمكننا اعتبار حرب الخليج عام 1991 بداية المرحلة الجديدة, حيثاستخدمت تقانة الاتصال بفعالية مؤثرة عملت على تعزيز نظام القطب الواحد. أولاً: تقانة الاتصال القديمة والحديثة إن الذي يهمنا من تقانةالاتصال هو وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري ذات الآثار المختلفة في المجتمع. لذا, فإن مصطلح تقانة الاتصال يعني "التقنيات والمؤسسات والأساليب التي بواسطتها تُنتجالمعلومات وتعلب وتوزع على مستقبلين متفرقين فوق رقعة جغرافية". هنالك بون شاسعبين تقانة الاتصال الالكتروني التي بدأت تتشكل ملامحها في نهاية القرن التاسع عشرمع اختراع الهاتف والإذاعة, وتقانة الاتصال الحديثة المستخدمة في نهاية القرنالعشرين. من هنا, يمكننا التفريق بين نوعين, أو جيلين, لوسائل الإعلام الالكترونية: النوع الأول القديم, ويتألف من وسائل الإعلام التقليدية مثل الإذاعة والسينماوالتلفزيون, والنوع الثاني الحديث, الذي يتألف من الجيل الجديد من وسائل الإعلامالحديثة, كالتلفزيون السلكي أو الفيديوتكس. ويعتبر القرن العشرون, على أيةحالة, مميزاً من بقية عصور الاتصال الثلاثة السابقة – الاتصال الشفوي والكتابةوالطباعة – لا ستخدام وسائل الإعلام الالكترونية فيه, التي قيل الكثير عن أهميتهاوآثارها, خصوصاً في مجال التنمية بالنسبة إلى بلدان العالم الثالث, وتتميز وسائلالجيل الأول بأن المرسل فيها يتكون من فئة محدودة من الناس تعمل حول قناة (إذاعة أوتلفزة مثلاً), وتتصف بالإبداع والمعرفة, وتعمل في مؤسسة وتقوم على إرسال أنواعمختلفة من الرسائل الإعلامية إلى جمهور كبير عبر هذه القناة. أما تقانة الاتصالالالكترونية الحديثة فتقوم على استخدام "الترانزيستور" ورقائق السليكون (Semiconductor Chips) صاحبة الذاكرة الالكترونية التي تستطيع أن تختزن الكثير منالمعلومات وتختزن في الوقت نفسه التعليمات اللازمة لتحريك هذه المعلومات. إن فنتزويد هذه الرقائق بالتعليمات والمعلومات يسمى البرمجة (Programming). وعليه, فإنالجديد بشأن تقانة المعلومات هذه ينبع من قدرة دائرتها الضيقة (Micro-circuit) علىاختزان المعلومات واسترجاعها – مهما كبر حجم تلك المعلومات – بأقصى سرعة وبتكلفةقليلة. ومن مثل هذه التقانة هناك التلفزيون السلكي (Cable T. V.) أو الفيديوتكس. فالتلفزيون الموصول بالسلك هو في الحقيقة مرتبط بمحطة إرسال ترسل أنواعاً مختلفة منالمعلومات تتحول إلى كهرباء تحمل صوتاً وصورة ومعلومة. والجدير بالملاحظة أنه إذااختلف حجم السلك, أو عدد الأسلاك فيه, فإن القنوات التي يستطيع أن يحملها ذلك السلكتصبح غير محدودة. ففي الولايات المتحدة, مثلاً, إن جميع أنظمة التلفزيون السلكيالتي تصنع اليوم لا تقل طاقتها الاستيعابية عن 54 قناة, وبعضها يصل إلى 104 قنوات, بل إنه إذا تم استخدام حزمة من الألياف الزجاجية (Fiber Optic Bundles), فإن قوةالقنوات تصبح غير محدودة. ولو شئنا, لشبهنا التلفزيون السلكي بمجلة يستطيع المتلقّيانتقاء ما يشاء منها: كالبرامج الرياضية, أو الصحية, أو أخبار الطقس, أو الأفلامالسينمائية, أو الأوبرا, أو قناة كاملة بلغة أجنبية ... الخ. ومن ميزات هذه التقنيةالجديدة أنها تسمح بالانتقائية, بما يتمشى وذوق المتلقي. فالذي يعشق الرياضة قدينحصر مجمل ما يتعرض له في النهاية بالبرامج الرياضية في الأغلب. إلى هناوالأمور عادية, أو هكذا قد تبدو. لكن الجديد في مجال الثورة الاتصالية الحالية أوسعوأكبر, لأن هذه التقنية تسمح أيضاً بتحويل جهاز الاستقبال نفسه إلى جهاز إرسال. فبإدخال رقيقة في جهاز الاستقبال, فإنه يتحول إلى ما يشبه الهاتف, ويصير تجاوبياً (Interactive) أو قناة بمسربين, يستطيع الشخص بفعلها أن يحجز مقعداً في الطائرة, أوفي الأوبرا, بعد أن يرى على ضوء ربطه بالمكان المعني خارطة للمقاعد, والمحجوز منها, فيختار مقعداً أو اثنين, ويحجزهما بإرسال الأوامر من خلال حاسوبه, كما يرسل رقمبطاقته البنكية, فُتقتطع من حسابه أجرة التذكرة, وفي الوقت نفسه, تتقاضي شركةالتلفزيون السلكي من دار الأوبرا, أو شركة الطيران, بدل هذه الأتعاب, أجراً محدداًقد لا يزيد على ربع دولار. تتميز التقانة الحديثة إذاً بأنها قناة بمسربين, وهيأيضاً مكلفه أكثر من القديمة لأن المشترك يدفع أجرة شهرية بدل اشتراكه فيها. بل إنهذه التقنية تتيح للمرء الاتصال بشبكات المعلومات المختلفة, وعبر الأقمار الصناعة, بشبكات مثيلة وفي قارات أخرى. لذلك, يمكننا القول بأن هذا النوع من الإعلام هو "إعلام الأغنياء", لأن استخدامه يقتصر على الناس الذين يستطيعون دفع الثمن. ويبقىالإعلام القديم لفقراء الناس الذين يستخدمون التقانة القديمة, إذاً فهو "إعلامالفقراء". ومن مضاعفات هذه التقنية الجديدة أنها بالتأكيد ستعمق فجوة المعلوماتبين الذين يملكونها ويستخدمونها – بما يعنيه ذلك من قدرة للوصول إلى المعلوماتوالمعرفة – وبين أولئك الذين لا يستطيعون امتلاكها أو استخدامها. وبالمقابل, فإنهناك ثمناً يدفعه مستخدم "الإعلام الغني", وقد يكون هذه الثمن باهظاً, لأنه علىرقيقة السليكون من معلومات يمكن استرجاعه من شخص آخر ينفذ إلى تلك الرقيقة إذا ماتوصل إلى المفاتيح التي تمكنه من ولوج أسرارها, مهما بعدت المسافات. وقد قرأنا فيالصحف إبان حرب الخليج عن تمكن بعض الأفراد العاديين من ولوج شبكات البنتاغونوالاطلاع على بعض الخطط السرية. وإذا كانت تقانة الاتصال القديمة (الإذاعةوالصحافة والتلفزة والسينما) قنوات أحادية الاتجاه والمسرى, فإنها كانت أدواتتستخدم لإحداث التغيير الاجتماعي في مجالات التنمية المختلفة, كما أنها تميزتبقدرتها على إحداث الإجماع كلما استطاعت أن تشحذ الرأي العام وتستقطبه حول قضيةمهمة. أما في التقنية الحديثة, فإن المجتمع يصبح مشرذماً متفرقاً إلى وحدات متباينةتفرق اهتمامات أفراده, والبرامج التي يمكن أن توفرها هذه التقنية لمشتركيها. وسيقودهذا حتماً إلى تطوير مناهج جديدة للبحث الإعلامي لسبر آثار التقنية الجديدة فيمتلقيها. ولا ننسى أيضاً تقنية الأقمار الصناعية المرتبطة بها شبكات الإعلامالمختلفة, الأوروبية والأمريكية على نطاق واسع, والتي يمكن التقاط برامجها مباشرةبواسطة قرص التقاط خاص (Dish), هذه التقانة خاصة بالأغنياء أيضاً. فإذا كانتهذه ملامح التقانة الاتصالية التي سنودّع بها القرن العشرين لنستقبل القرن القادم, فإن السؤال الذي يلقي بظله عليها هو: ما هي آثار هذه التقنية فينا وفي مستقبلنا؟ ثانياً: العرب وتقنية الاتصالات الإعلامية بعد الحرب العالميةالثانية, ونتيجة لتباين الفجوة في التنمية بين الدول المتقدمة والدول النامية, أوصىعلماء الاتصال باستخدام الوسائل الجديدة للراديو والتلفزيون كقنوات إعلامية تساعدعلى جسر تلك الفجوة, مؤملين الدول الفقيرة باللحاق بسرعة قصيرة نسبياً بمناحيالتقدم للدول المتقدمة, وباعتبار أن هذه الوسائل غير مكلفة وذات آثار فاعلة فيإحداق التغيير الاجتماعي المأمول(3). وتهافتت الدول النامية, ومن بينهما الدولالعربية, على استخدام التقنيات الجديدة للإذاعة والتلفزة والسينما, أو تقوية ما كانمتوافراً لديها منها. وعلى رغم أن التنمية المرجوة, أو القفزة التنموية (Frog-leap), للحاق بدول العالم المتقدمة في فترة وجيزة لم تتحقق, بل على العكس منذلك, إذ إن نتائج الأبحاث أشارات إلى تعميق تلك الفجوة وازديادها اتساعاً بين الدولالمتقدمة والدول النامية من جهة, وبين أفراد وفئات المجتمع النامي الواحد نفسه منجهة ثانية, وعلى رغم هذا, فإن منظري العصر لا يتوانون عن تقديم النصح باستخدامتقانة أكثر تطوراً, كالأقمار الصناعية, والتلفزيون السلكي, وأنظمة التفاعل ذاتالمسربين, باعتبارها ستقود إلى التنمية المأمولة, ولكونها مظهراً لازماً من مظاهرالعصر الحديث. وما زال الكثير من الدول النامية يهدر الإمكانات المادية الشحيحةأصلاً على شراء تقانة متقدمة متطورة سريعة التغير بأسعار عالية لتحقيق هذا الغرضالنبيل في الظاهر, والذي يحمل في الواقع معاني أخرى لها صلة بأمور أخرى. 1- المرحلة الأولى: النهوض إن استعراض تاريخ الاتصال الجماهيري الحديث فيالوطن العربي, يكشف أن الصحافة قد استُخدمت اعتباراً من الربع الأول للقرن التاسععشر, وتمثلت بظهور صحف رسمية (تابعة للسلطة), وأخرى شعبية, في مصر وسوريا ولبنانوالعراق قبل أن تمتد إلى بقية الأقطار العربية, التي كانت في مجملها خاضعةللعثمانيين, أو النفوذ الأوروبي بشكل مباشر أو غير مباشر. ومع تنامي العمل الصحفيلم تتوانَ تلك القوى عن وضع قوانين للمطبوعات والنشر في محاولة جادة لتأطير المادةالتي تنشر ضمن أطر محددة, بحيث تكون نتائجها الجانبية محدودة التأثير, غير أن جميعهذه المحاولات ذهبت أدراج الرياح, لأن الصحافة حملت معها رياح التغيير. وقد اعترفالمؤرخون بمساهمة الصحافة في قيام النهضة الفكرية في القرن التاسع عشر وتحقيقالاستقلال الذي سعى إليه العرب, لما أسهمت به في مجال الدعوات الفكرية والسياسيةالسائدة آنئذ, مثل التجزئة والوحدة الوطنية والإقليمية, والرابطة العثمانية, والجامعة الإسلامية والقومية العربية(4). لقد تميزت الصحافة منذ نشأتها وحتىالحرب العالمية الثانية بأنها كانت صحافة "رأي وتوجيه لا صحافة خبر وحسب, وكانتتعتمد على نشر المقالات الطويلة والآراء والتعليقات التوجيهية رغم ما كان يتعرض لهبعضها من تعطيل وإيذاء من قبل السلطات وما كانت تعانيه من قوانين المطبوعاتالقاسية"(5). من أجل هذا, فإن التأثير الذي نجم عن هذه الصحافة كان قوياًومميزاً, أوجزه أديب مروة بما يلي: "وقد فهم العرب الصحافة على أنها أداة جهاد, ووسيلة حرب ونضال, وسبيل للثورة, والانعتاق, إما من نير الأجانب, وإما من نيرالتقاليد والعادات البالية ... فقد حاربت الصحافة العربية الجهل والفقر والأميةوالحجاب, ثم ناضلت لتحرير الأم والأمة, وكافحت لإصلاح اللغة وقد أدركتها الركاكة, ثم حاربت الطغيان والعدوان والإقطاعية والحاكمين الطغاة, وعدت بنفسها مدرسة وطنيةلا مشروعاً تجارياً, بدليل أنها قامت على مناكب أفراد علماء لا على شركات تموّل, وهنا موطن الضعف في الصحافة العربية لأنالصحيفة رسالة وتجارة لا غنى لجناح عنالآخر" (6). إن هذه انجازات يفاخر بها كل قطر عربي, فالمشانق التي نصبها جمالالسفاح في دمشق وبيروت, حملت على أعوادها صحفيين أحراراً – مع من حملت – قدمواأرواحهم جديدة في سبيل نهضة أمتهم. 2- المرحلة الثانية: الاحتواء في المرحلة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية حصلت البلدان العربية علىاستقلالها تباعاً. وقد تعزز العمل الصحفي باستخدام التقنية الالكترونية للإذاعةوالتلفزيون. ومن جملة الأسباب التي دعت إلى استخدام التقنية الجديدة, قدرتهاغير المنازعة على تغطية الإقليم الحديث الاستقلال تغطية إعلامية شاملة, موصلة بذلكنفوذ الحكومة المركزية إلى الأطراف, مهما كانت نائية. فبعد أن كانت الصحافة مقتصرةعلى المدن الرئيسية, وفي الأغلب العاصمة, وعلى فئة محدودة من القراء, هم النخبة, جاءت الإذاعة بمرسلاتها القوية كقناة اتصال شعبي لتملاً الفراغ الناجم عن: أ- عدمتطور البنية الاتصالية التحتية في القطر, ب- ارتفاع نسبة الأمية في القطر. وهكذا, أصبحت الإذاعة وسيلة وطنية على مستوى القطر الواحد, وقومية على مستوىالوطن العربي برمته. ولإعطائها مزيداً من الشرعية, استخدمت كذراع للتنمية, فوُزعتأجهزة الراديو مجاناً في بعض الأقطار العربية. من هنا نجد أن بعض الإذاعاتالعربية, ذات المرسلات القوية, تحتل في الخمسينيات والستينيات, مع اشتداد فجر المدالقومي, مكانة مرموقة لم تضاهها مكانة أخرى إلا مكانة بعض القادة في قلوب الشعوب. وعززت الصحافة مكانة الإذاعة التي لم تنسَ فضلها, فبقيت حتى يومنا هذا تقرأ أقوالالصحف من استوديوهاتها. ولتعزيز موقعها, عمدت السلطة إلى وضع قوانين جديدةللمطبوعات والنشر عملت كلها في محصلتها النهائية على تقييد الكلمة, وتمجيد السلطةوعدم السماح بتوجيه النقد بها. وبعد هزيمة حزيران/ يونيو 1967, تقدم التلفزيونوالسينما واحتلا مكانهما كقوة تخديرية غير منازعة في الوطن الكبير, لا تخدرالأحاسيس فقط, وإنما العقول والقلوب والبصيرة. وفي السبعينيات, أخذ الباحثونالعرب يكتشفون آثار الإعلام السلبية, كالغزو الثقافي, والتبعية الإعلامية, والهيمنةالثقافية, والسيطرة على العقول, وتبعية المؤسسات, والصورة السلبية للعرب في الغرب (7). وشهدت نهاية المرحلة الثانية سقوط النظام الاتصالي في وحل الشعبية, وسقوطالوعي العربي أسيراً لذلك النظام الاتصالي الذي مكّن النخبة من استخدام الإعلاملتشكيل الرأي العام بصورة تجعل من الحفاظ على الوضع الراهن, الهدف النهائي له. ولميكن هذا الوضع أفضل بكثير من الوضع الذي شكله تحالف الاستعمار مع السلطة قبلالاستقلال. فكان لا بد من ازدياد الفجوة اتساعاً مع مرور كل يوم. 3- المرحلة الثالثة: الإغراق مع قدوم الثمانينيات, أدركت السلطة ضخامة الفجوةالتي تفصل بين العرب والغرب المتقدم, فعقدت الندوات للبحث في المسألة, وتناولهاالمفكرون والباحثون في كتاباتهم. وفي معظم هذه الأحوال, تناسوا أن إسرائيل متقدمةجداً في مجال تقنية الاتصال: صناعة واستخدماً. وقد لخص عبد المطلب بن نشنوالموقف العربي في مجال التقانة عموماً, بقوله: " ..... ولا يمكن للمرء الحديث عنصناعة عربية وطنية في حقل صناعة الأجزاء الرئيسية في صناعة الالكترونيات الدقيقة أوفي صناعة الماكنات ذات التحكم الرقمي أو الإنسان الآلي"(. أما في التقريرالذي أعدته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم وصدر مطبوعاً تحت عنوان "الإعلام العربي حاضراً ومستقبلاً: نحو نظام عربي جديد للإعلام والاتصال", فقد وردما يلي: "تتوفر قنوات المعلومات في الوطن العربي بشكل مبعثر وغير مخطط, بل إن بعضهايقوم بوظيفته بشكل مثالي, وبعضها لا يعرف دوره تماماً, وتنمو أو تتوقف هذه القنواتحسب مواقف الدول العربية والعوامل المؤثرة فيها من الناحية الاقتصادية والسياسةوالاجتماعية, وحتى الآن لم يتم التنسيق بين أي من هذه القنوات بشكل مخطط ومدروس علىالمستوى العربي". ويرد في التقرير نفسه حول وسائل الاتصال الجماهيري ما يلي: "وفيالخلاصة نلاحظ أن التقنيات المستعملة لدى البلدان العربية هي من أحدث ما هو متوفرفي أسواق الدول الصناعية, والعرب من أكثر المستهلكين لها في العالم, حتى غدت بعضالمحطات الإذاعية والتلفزيونية العربية معارض لأحدث وأضخم ما هو متوفر في العالم" (9). إذاً من الواضح أن العرب يستخدمون فقط تقانة الاتصال, ولا يصنعونها, ولايتوفر تنسيق على المستوى القومي بين هذه الأقطار, هذا على الصعيد العام. أماعلى صعيد التقنية الاتصالية نفسها, فقد شهدت الثمانينيات استخدام القمر الصناعي (عربسات) ودخول العرب عصر الفضاء. وفي التسعينيات, انتشرت القنوات الفضائيةالعربية, وفتحت السماء أحضانها لاستقبال الأقمار الصناعية لمختلف المحطات ناقلةرسائل لا يطالها حتى مقص الرقيب. وفي أعقاب حرب الخليج, جاءت هذه التقنية لا لتعميقالفجوة بين أفراد الوطن الواحد, بل بين الأقطار العربية الفقيرة والغنية. وازدادالانبهار بهذه التقنية, والتهافت على استخدامها, حتى قامت مؤسسات في الوطن العربيبالترويج لها, وتنظيم توزيعها عبر قنوات محدودة بحجة أن الأطباق تباع في السوق لمنيرغب, فلماذا لا يتم التنظيم عبر مؤسسات رسمية. وهكذا اكتمل طوق الاحتواء. خاتمة استخدم العرب تقانة الاتصال في القرن الماضي كأداة قوة ووحدةساعدتهم على تحقيق أقدس الطموحات التي أعقبت قروناً طويلة من الجمود والتحجر, فتحققالاستقلال, ولم تتحقق الوحدة الشاملة. ومع قدوم الاستقلال, استغلت قنوات الاتصالالالكتروني, أولاً كقنوات تربط أنحاء الوطن الواحد بعضه ببعض (لعدم توفر البنيةالاتصالية المناسبة) ثم كقنوات للدعاية (للنخبة) والتحذير (بعد الهزائم العسكرية). كما أن البرامج التنموية التي قدمتها هذه القنوات كانت موجهة من رأس الهرم إلىالقاعدة, بكل ما فيها من معاني الفوقية السلطوية لإبقاء الوضع القائم على ما هوعليه. وكان أثمن انتصار حققته السلطة في هذه المرحلة أن وظفت الاتصال المطبوع لخدمةالاتصال الالكتروني والسير في ركابه. هذا على الصعيد الداخلي, أما توظيف الإعلامالعربي على المستوى الدولي – بدءاً من الإعلام الناصري في الخمسينيات والستينيات, ومروراً بخطر النفط العربي في السبعينيات, والانتفاضة الفلسطينية في الثمانينيات, وأزمة الخليج في مطلع التسعينيات – فقد أظهر فشلاً ذريعاً هو الآخر (10). لقداستخدم الإنسان التقانة, عبر التاريخ, كوسيلة تساعده على التغلب على البيئة وقهرها. فالإنسان إذاً يطور التقانة ويستخدمها بناء على احتياجه إليها. ومن الواضح أن تقانةالاتصال الالكترونية بجيليها الأخيرين لم تُنتَج أو تستخدم في الوطن العربي بناءعلى حاجة إليها حقيقية, فهي غربية عنا, وعن عقولنا التي اعتادت, عبر القرونالماضية, على المادة المكتوبة والمطبوعة (كالكتاب والصحفية) أو المادة المروية (كالشعر أو الحكاية). لا عجب بعد هذا إن كانت الصحافة التي استخدمها العرب في القرنالماضي قد أعطت آثاراً إيجابية أكثر من غيرها من قنوات الاتصال الأخرى التي استخدمتفي المرحلتين اللاحقتين, لأنها كانت الأقرب إلى ثقافتنا وتقاليدنا وطباعناالتاريخية. ولا عجب بعد هذا أن نجد من يصف الاتصال والإعلام العربي الحديث فيالمرحلتين الأخيرتين بما يلي: "عاجز وتبريري وضحل وسطحي"(11). ويرى صلاح الدينحافظ أن وسائل الاتصال هذه تلعب "دوراً ضعيفاً ومحدوداً للغاية في العملية الثقافيةوالتعليمية", بل "إن بعض هذه الأجهزة تلعب دوراً معاكساً للثقافة الجادة وللمنهجالعلمي في التفكير مضاداً للحرية, مشجعاً – في بعض الأحيان – على التعصب والتطرفالفكري أو الديني ....."(12). وفي مواجهة هذه التطورات المذهلة في سوء استخدامتقنية الاتصال الحديثة بدأت تبزغ مؤخراً بوادر مشجعة في بعض الأقطار العربية – ربمافي محاولة واعية لتعزيز مرحلتي الاحتواء والإغراق – كما في التجربة الأردنية فيديمقراطية الإعلام, وتجربة تحويل وكالة أنباء الإمارات العربية إلى وكالة خاصة – عامة, وحظر بيع أطباق التلفزيون في العربية السعودية في محاولة لدرء خطرها, بل إنالعربية السعودية ستقيم شبكة من التلفزيون السلكي شبيهة ربما بالتجربة الأردنيةالتي تسمح بالاشتراك بقنوات سلكية محدودة. وتبدو هذه التجربة في الأردن والعربيةالسعودية استجابة لتوصيات ندوة الإعلام العربي والبث المباشر التي عقدت في القاهرةفي الفترة بين 10 و 13 حزيران/ يونيو 1990. إن الخروج من هذه الحلقة التي تؤثرسلباً في الشخصية القومية للإنسان العربي, يقتضي العمل الجاد لفك الارتباط بين نظامالاتصال (الإعلامي) وبين النظام السياسي (الاجتماعي) السائد, بتفعيل حرية التعبيرالتي تنص عليها قوانين المطبوعات العربية شكلاً من دون العمل بها حقيقة. وستكون هذهخطورة أولى في الاتجاه الصحيح قد تؤدي في النهاية إلى كبح جماح التردي الذي سقطتفيه أنظمة الاتصال الالكترونية العربية, وجداراً قد يحول دون مزيد من السقوط فيحبائل الجيل الجديد والأجيال اللاحقة من تقنية وسائل الالكترونية المتسارعة النمو. *المرجع :نشرت هذه الدراسة ضمن ملف "حول الاتصال والإعلام العربي" في: المستقبل العربي, السنة18, العدد 205 (آذار/ مارس 1996). مراحع الدراسة .................................... ........................................... (1) انطوان زحلان, "التحدي والاستجابة: مساهمة العلوم والتقانة العربية فيتحديث الوطن العربي," (2) زحلان, المصدر نفسه. (3) موس, المدخل فيالاتصالالجماهيري, (4) على محافظة, الاتجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة, (5) أديب مروة, الصحافة العربية, نشأتها وتطورها: السجل حافل لتاريخ فن الصحافةالعربية قديماُ وحديثاً (6) أديب مروة, الصحافة العربية, نشأتها وتطورها: السجلحافل لتاريخ فن الصحافة العربية قديماُ وحديثاً (7) عصام سليمان موسى, "الثقافةالإعلامية العربية: مشاكل ومقترحات," مجلة العلوم الاجتماعية (الكويت) ( عبداللطيف بن نشنو, "الالكترونيات الدقيقة في العالم العربي: بعض الدروس المستفادة منالخبرات الأجنبية في السياسات التقنية التعليمية," (9) المنظمة العربية للتربيةوالثقافة والعلوم, إدارة الإعلام, الإعلام العربي حاضراً ومستقبلاً, نحو نظام عربيجديد للإعلام والاتصال. (10) محمد سعد أبو عامود, "الإعلام العربي والسياسةالخارجية العربية," (11) عبد الله بوجلال, "الإعلام وقضايا الوعي الاجتماعي فيالوطن العربي," (12) صلاح الدين حافظ, "تكنولوجيا الاتصال وحرية الصحافةوالفكر," في المنطقة والثقافة والعلوم, إدارة الثقافة, الثورة التكنولوجية ووسائلالاتصال العربية._________________ | |
|