لمن نعهد مهمة الإتصال ؟
إذا كان الإتصال يهم كافة أفراد المؤسسة، وهم معنيون به جميعا، فإن المسؤولية المهنية هي مسؤولية أفراد بعينهم.
وتختلف بنية هؤلاء القائمين بالإتصال حسب حجم المؤسسة والوضع القانوني الممنوح للإتصال.إذ تملك المؤسسة الكبرى مديرية (وتسمى في بعض الأحيان خلية "cellule ") للإتصال. وهي تكون تابعة للمدرية العامة، في حين أنه في أغلب المؤسسات الجزائرية، مسؤوليات الإتصال ليست موزعة بوضوح .إذ تعالج عمليات الإتصال حسب الحالات من قبل الرئيس المدير العام أو الرئيس (القائد )، من طرف مكلف بالعلاقات العامة ،أو ملحق إعلامي.
سندرس بصفة معمقة مهمة شخصين في الإتصال المؤسساتي :
أولاً: الرئيس المدير العام (أو القائد).
ثانيا:مسؤول الإتصال.
الرئيس المدير العام (القائد).
إن رئيس المؤسسة ملزم بأن يلعب دورا في السياسة الإتصالية لمؤسسته، سواء بإرادة منه أو من دون إرادته.
وقد عرف دور الرئيس في الإتصال المؤسساتي تطورا معتبرا خلال الأربعين سنة الأخيرة من القرن الماضي، إذ يمكن تقسيم هذا التطور إلى أربعة مراحل:
المرحلة الأولى :عشرية الستينيات.
كان فيها رؤساء المؤسسات متكتمين و متحفظين وغائبين تماما على الساحة العامة، وفي حال ما إذا تدخلوا تكون تدخلاتهم قصيرة جداً وشحيحة، وحول مواضيع وفي أوساط مهنية.
المرحلة الثانية: إبتداءً من منتصف السبعينيات.
لم تعد المؤسسة في هذه المرحلة كطابو، إذ تطورت الذهنيات وأصبح ينظر إليها على أنها المكان الأساسي لخلق الثروة، وبالموازاة مع ذلك انفكت عقدة الألسنة التي كانت تميز رؤساء المؤسسات الخاصة و العمومية، إذ أصبح رئيس االمؤسسة يعطي صورة أكثر إنفتاحا وحرارة.
المرحلة الثالثة :منذ منتصف الثمانينات إلى غاية بداية التسعينيات:
تطورت تلك الحركية، حيث اكتسبت المؤسسات قيمة كبيرة في المجتمع.ووجد رؤساء المؤسسات أنفسهم طوعا أو كرها حاملين لألوية هذه القيم.
و تولت وسائل الإعلام "صناعة النجومية" هذه، إذ جعلت من كبار رؤساء المؤسسات أبطالاً جددا للعصرنة، وقادت هذه الصناعة بعض المؤسسات إلى أن تتجسد في رؤسائها أو مدرائها.
المرحلة الرابعة: في سنوات التسعينيات:
وهي مرحلة الأزمات (الإقتصادية،الأمنية والإجتماعية)،وهنا تكشفت محدودية "عبادة السخصية". وتبين أن الأداء أو الصورة الحسنة لرئيس أو مدير مؤسسة إعلاميا لا ينعكس بالضرورة على مؤسسته، بل أكثر من ذلك أصبحت المؤسسة مشبوهة.
و منذ ذلك التاريخ، أصبح الإتصال المؤسساتي متوازنا، حيث أصبح نشر أو بث تدخلات رؤساء المؤسسات معتدلا، كما أصبح القيام بسياسة إتصالية شاملة حول المؤسسة هي الإسترتجية المعقولة وهي المتبناة اليوم. إذ يجب على المؤسسة أن تبنى لها صورة مستقلة عن تلك الخاصة برئيسها أو مديرها، حتى وإن كان هذا الأخير يساهم بدون أدنى شك في بناء تلك الصورة.
ويتفق الجميع على أن صورة مؤسسة ما لا تتناسب مع "الجعجعة "والضجيج" الذي تحدثه في وسائل الإعلام. ويستحسن غالبا الإتصال بتحفظ، مع تفضيل القيام بعمليات الإتصال التي تستهدف جمهور مختار.
لماذا يمثل الرئيس المدير العام ناطقا رسميا طبيعيا و ضروريا بإسم المؤسسة؟
بصفته المشرف العام على المؤسسة، فإن الرئيس المدير العام يستحوذ على أكبر قدر من المعلومات كما أن شخصه وخطباته تنعكس مباشرة على صورة المؤسسة ،سواء في الداخل أو الخارج. سأل أحد الصحفين رئيس مدير عام لإحدى كبريات المؤسسات: " لماذا قبلت إجراء هذا الحديث الصحفي؟" وكان موضوع الحوار يدور حول أفكاره وآرائه في الحياة،الشعر، العطل العمل…) فأجابه: " لقد لبيت الدعوة إلى هذا الحديث الصحفي، لأنه في ساعة من الزمن، ومن خلال ما ستلاحظونه حول الشخص تصبح لديكم فكرة حول ماهية مؤسسته وماذا يريد لها أن تكون".
إلا أن هذا التشخيص و إسقاط صورة الشخص على صورة المؤسسة يعود إلى الثقافة السائدة في المجتمع (وهو حال مجتمعنا).على خلاف ذلك في المجتمعات الأنجلوساكسونية التي لا تربط بين الشخص و صورة المؤسسة ( إبن عائلة أو إبنة عائلة).
PDJ هو محور الإتصال الداخلي :
إن رئيس أو قائد المؤسسة يمارس أثرا كبيرا على الصورة التى يشكلها معاونوه أو مرؤوسوه على أنفسهم، وينعكس هذا على قدر المرونة التى تميزهم، وعلى إدراكهم العام لمبادىء وأهداف المؤسسة. وعلى هذا يجب عليه أن يشرح سلوكاته ويوصل حماسه بهدف تحضير أفراده.
قطب موحد للإتصالات الخارجية:
إن كافة النشاطات الخارجية التي يقوم بها رئيس أوقائد المؤسسة (تصريحات لوسائل الإعلام، المشاركة في الأحداث العامة،الحضور في الإجتماعات المهنية...) تؤثر على المفاهيم و الإدراكات المختلفة للجماهير حول المؤسسة.
المصدر الأول في حالة الأحداث الكبرى:
ذلك أنه يكون المعني الأول بالحديث أو التدخل في حالات معينة كحادث بارز أو ذو أثر كبير على الرأي العام أو للرد على حملة هدامة.وكل الحالات الإستثنائية والصعبة. ويقال "تكون المؤسسة أكثر قوة إذا إستطاعت أن ترتكز على رئيس (أو قائد) حقيقي"
كيف يجب ضبط تدخلات الرئيس المدير العام؟
يفرض الرئيس المدير العام (القائد) أسلوبه الإتصالي على المؤسسة،إذ أن مهمته كناطق رسمي بإسم المؤسسة تظهر بشكل أساسي ودقيق. وهي تخضع إلى أربع مبادىء بسيطة:
القدرة أو الإرادة:
كما يقال "خير الأمور أوسطها" إذ لا يجدر بالرئيس (القائد) أن يظهر أو يتدخل كثيرا في وسائل الإعلام، كما لا يستحسن أن يكون شحيح الظهور أو التدخل.وما عدا الحالات القاهرة أو الطارئة، فإن الأحداث الحاصلة في المؤسسة أو حولها هي التي تنظم إتصال الرئيس أو (القائد) وتكون أكثر نشاطا في حالتين اثنتين: حينما تقدم المؤسسة أحداثا إيجابية (الإتصال التلقائي أو المبادرة بالإتصال)،أو حين يجب عليها أن تواجه أزمة أو مشكلة (الإتصال كرد فعل).
وعليه يفرض واقع العصر على كل رئيس (قائد) أن يجيد الرد باختصار على صحفي، أن يدير إجتماع عام، أن تكون لديه معرفة ببعض الشروط التي تمكنه من الوقوف أمام الميكرفون أو الكاميرا.
إجتناب الإنسياق وراء النجومية :"مؤسسة لا تزول بزوال الرجال"
إن الشخصية القوية التي يتمتع بها رئيس أو( قائد) المؤسسة وحضوره القوي، قد يؤدي إلى حجب مؤسسته.وعليه فإن نجومية رئيس (قائد) المؤسسة هي عامل مسيىء، إذ تؤدي إلى إختفاء المؤسسة وراء مسيّرها. وهو أمر غير مستحب، لأنه بمجرد إختفائه عن الساحة أو رحيله عن المؤسسة، يجعل المؤسسة "يتيمة". إن إحتكار الأضواء (النجومية) يمكن أن يكون عامل زعزعة وعدم توازن، حيث أن أدنى سلوك أو حركة لشخص واحد قد يعرض صورة المؤسسة إلى الإهتزاز.
وعلى هذا الأساس فعلى رئيس (قائد) المؤسسة أن يظهر بصفته الوظيفية ويفصل بين ما هو شخصي وما هو وظيفي (عام).
موازنة تدخلاته:
تقول حكيمة صينية "أنت أسير للكلمة التي تتلفظ بها"
فكثرة الحديث و التدخلات تعرّض المؤسسة إلى نقد و إنتقادات وسائل الإعلام، بيد أن هذا لايعني أن قلة الحديث والتدخلات هي الحل، لأن هذا قد يؤدي إلى تشكيل صورة سيئة حول المؤسسة (بوصفها متعالية منبوذة أو متخلّفة عن مقتضيات العصر)، كما يفتح هذا الطريق أمام الإشاعات وسوء الظن وخلق هوة من عدم الثقة.
إن شخصية المؤسسة (درجة إنفتاحها أو إنغلاقها نحو الخارج) والظروف المحيطة هما اللذان يفرضان الإيقاع أو النسق الإتصالي للرئيس.لأن هناك أحداثا كبرى بارزة في حياة المؤسسة تستوجب ظهور الرئيس على وسائل الإعلام.
تأطير خطابات الرئيس المدير العام:
يجب على الرئيس المدير العام أن يتحمل أعباء مهمته كناطق رسمي بإسم المؤسسة تبعا لمنطق معين. ففي هذه المهمة يجب أن يخطرأو يبلغ بآراء مساعديه فيما يتعلق بالإتصال، و يستحسن أن تكون الإستشارة من محترف في الإتصال " فمدير الإتصال في المؤسسة لا يجب أن يكون عينا للرئيس، بل يجب أن يعطيه أذنه أو يصغي إليه ". والمجلس أو خلية الإتصال لديهما القدرة على ضبط وتخطيط ظهورالرئيس (القائد)،إذ يوجهان تدخلاته ويساعداه على إيجاد أسلوبه الإتصالي، وتحديد الخطوط و النقاط التي يجب التركيز عليها.
مسؤول الإتصال:
تعتبر فرنسا من بين الدول الغربية المتأخرة في تنظيم التسلسل الهرمي للإتصال. إن معادلة " مسؤول، قائد، مدير" بدأت في الظهور منذ حوالي 20 سنة فقط. إذ كان الإتصال دائما نشاطا ثانويا للأجراء الذين يمارسون وظائف رئيسية أخرى ( رئيس المستخدمين، مدير التسويق، مدير الإدارة، المدير العام، الرئيس المدير العام ...). وفي خلال سنوات بلغت مهمة مسؤول الإتصال ذروتها في المؤسسات الكبرى، ثم تبنت المؤسسات المتوسطة والصغيرة مسؤلين عن الإتصال بصفة متدرجة.
ويوجد بفرنسا في الوقت الراهن أكثر من 6000 مسؤول إتصال رسمي ونفس العدد تقريبا من مسؤولي الإتصال بدون تسمية (غير رسميين).
المهام الخمس الأساسية لمسؤول الإتصال:
يعتبر مسؤول الإتصال من بين الأفراد الأكثر أهمية في المؤسسة، فهو يتبع دائما المديرية العامة ويسهر على كم هائل من المجالات: علاقات خارجية، داخلية، الإتصال مع الصحافة، الإشهار، الرعاية، ووضع وسائل الإتصال المتعددة ( مواقع الأنترنات ، الأنترانات، ...)، غير أنه من الصعب تقويم مسارنموذجي للوظيفة هذه، إذ تختلف أهداف هذه الوظيفة من حيث حجم واستراتيجية الشركات. فهذا المنصب ليس كغيره من المناصب لأنه يحدد من طرف الرئيس اللدير العام نفسه.
ضابط:
يضمن مسؤول الإتصال التنسيق فيما بين كل ما يمكن أن يصنع صورة للمؤسسة، يحدد الإستراتيجية، يرسم قواعد عامة وينظمها حالة بحالة. وهذا بالنسبة لكل عمليات الإتصال كل منها على حدة.
* يسهر على تجانس خطابات المؤسسة. في ملتقى ثلاث أنواع من الإتصال مؤسساتي، داخلي و تجاري يبحث عن التوفيق وترتيب الأولويات: صورة المؤسسة، تحفيز المستخدمين، إرضاء الزبائن.
* يراقب مدى تطابق العمل اليومي مع الإلتزامات الكبرى للإتصال، إذ أ، هذه الرقابة التي يمارسها لا تخضع لحدود. ويتدخل للتوجيه في ما يخص الإجراءات المتعددة الواجب غتباعها: كيف يتم استقبال زائر؟ كيف يتم تمثيل المؤسسة في الخارج؟ ، كما يعمل على التحكم في تدفق المعلومات ( التحقق من التجانس بين ما يقال في الخارج خاصة في وسائل الإعلام وما يقال داخل المؤسسة). وعلى العموم فإنه يتكفل بكل ما له علاقة بمدى احترام روح الإتصال في كافة مبادرات المؤسسة.
ناطق رسمي :
يتكلم مسؤول الإتصال باسم المؤسسة، فهو لا يكون سفير ذو مصداقية إلا في حال كان يتمتع بمشروعية وثقة داخل المؤسسة.
فهو يسهل العلاقة بين الصحفيين والمسؤولين عن المؤسسة حيث يمثل الرابطة بينهم.
ساهر :
إذ يتابع على الدوام التغيرات الحاصلة في صورة المؤسسة، ويرسم تبعا لذلك التوجهات الكبرى للإتصال: يبلغ الصحافة، يوجه تدخلات الرئيس المدير العام، يقترح الصورة التي تقدم عليها المؤسسة، يقرر اشتراك المؤسسة في عمل محلي، يبحث عن شعارات جديدة.
منشط:
إن الدور الداخلي لمسؤول الإتصال يعتبر أساسيا، فهو مكلف باسم المديرية العامة ب: تبليغ القيم، الأهداف وروح المؤسسة، كما يجب أن يكون تحت تصرف مختلف مصالح وهيئات المؤسسة، بحيث أن كثير من هذه الأخيرة لا تفهم رهانات الإتصال: وعليه هو أن يجعلها تسير وفق نهج موحد، كما يقوم باكسابها الثقة ويزودها بالمعلومات .